Admin Admin
عدد الرسائل : 292 العمر : 40 جنسيتك : مصر تاريخ التسجيل : 18/11/2008
| موضوع: الصــيــام فى الشهر الكريم الأربعاء أغسطس 04, 2010 5:15 pm | |
| يُعَدُّ الصَّوم من أقدم العبادات الإنسانية وأكثرها انتشاراً، وقد اختلفت أنواعه ومدَّته باختلاف الشرائع، وحسب أحوال المكلَّفين واستعداداتهم وظروفهم.
ـ إن فريضة الصَّوم مدرسة تربويَّة عظيمة، يدخلها المسلم مرةً كلَّ عام، فيتخرج منها نقيَّ الروح طاهر النفس، قويَّ الإرادة صحيح البدن.
ـ لقد اختار الله للمؤمنين الصَّوم في شهر رمضان دون غيره من الشهور؛ لأنه الشهر الَّذي أنزل فيه القرآن وسائر الكتب السماويَّة، الَّتي أُفيضت من خلالها هداية الرحمن على البشريَّة.
/ في رحاب الآيات:
تتعدَّد الوسائل الَّتي تسهم في بناء الشـخصية الإيمانية، وتتفاوت سلباً وإيجاباً، ومن أسرعها تأثيراً ونجاحاً، امتحان المرء نفسه للتعرُّف على مدى قدرته على الصبر والتحمُّل، ولقد أثبتت هذه الوسيلة فاعليتها من خلال التشريع الإلهي السماوي، الَّذي فرض على الناس بعض العبادات الَّتي تهدف لذلك، ومنها الصَّوم الَّذي تتحقَّق فيه هيمنة سلطان الروح على الجسد؛ فيعيش الإنسان مالكاً زمام أموره بنفسه، لا أسير ميوله الماديَّة البهيميَّة، كما يغرس فيه الأمانة والصدق مع الذَّات، فما من شيء يمنعه ـ لدى أدائه لهذه العبادة ـ من ممارسة المفطِّرات وتعاطيها غير اعتقاده بأن الله يراقبه ويطَّلع عليه. وقد جاء في الحديث القدسي: «كلُّ عمل ابن آدم له إلا الصِّيام فإنه لي وأنا أجزي به» (أخرجه أحمد ومسلم والنَّسَائي).
ومعنى الصِّيام في الإسلام هو: الإمساك عن الطعام والشراب والجماع وسائر المفطرات، مع النيَّة على ذلك، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس. ولمَّا كان الامتناع عن ممارسة هذه الأمور المباحة ثقيلاً على النفس، يصعب عليها تقبُّله إن لم تكن مؤمنة وعاشقة لله؛ خاطب الله عباده بهذا النداء العذب: {ياأيُّها الَّذين آمنوا} قبل أن يلقي إليهم الأمر بالصِّيام، فخلع عليهم لقب المؤمنين تحريكاً لقلوبهم وشدّاً لعزائمهم، لأن الإيمان يقتضي الامتثال والطاعة، ثمَّ أتبع هذا النداء بالتكليف بعد أن شحذ نفوسهم، ودفعها لتنهض وتستجيب لأمره.
والصِّيام فريضة قديمة موجودة في الشرائع كافَّة، والغاية الأولى منه هي إعداد القلوب لتقوى الله وخشـيته، وإعداد النفوس لـكلِّ خير، ذلـك أن الصَّـائم يترك شــهواتـه ـ مع قدرته على اتِّباعها ـ امتثالاً لأمر الله، ومسارعة إلى مرضاته، وهذا من شأنه أن يورث خشية الله في القلب، وينمِّي ملكة المراقبة للذَّات، ويقظة الضمير. وقد فُرض الصَّوم على المسلمين في البداية ثلاثة أيام من كلِّ شهر، ثمَّ نُسِخ ذلك بصوم شهر رمضان. وكان الصِّيام في بدء الإسلام اختياريّاً بالنسبة للصحيح المقيم، إن شاء صام وإن شاء أفطر وأطعم عن كلِّ يوم مسكيناً، مع بيان أن الصِّيام أفضل من الإطعام. وبعدها أصبح صيام شهر رمضان فرضاً على الصحيح المقيم، على قاعدة التدرُّج في الأحكام، وأُبيح للمريض أن يفطر حفاظاً على صحَّته، وكذلك للمسافر منعاً للمشقَّة والضرر، بشرط أن يقضيا ما فاتهما عند القدرة. أمَّا إذا أفطر المؤمن لشيخوخةٍ أو ضعف وكان عاجزاً عن القضاء، فعليه فدية إطعام مسكين عن كلِّ يوم أفطره، وإن زاد على ذلك فهو خير له. ومن كان ذا عذر وأخذ بالعزيمة ولم يفطر فهو خير له، شريطة ألا يُجهد نفسه أو يُحمِّلها فوق طاقتها.
وقد ثبت طبيّاً أن الصِّيام يزيل الموادَّ المترسِّبة في الجسم، ويجفِّف الرطوبات الضارَّة، ويطهِّر الأمعاء من السموم الَّتي تحدثها البِطنة، ويذيب الشحوم ذات الخطورة الشديدة على القلب، وقد قال أحد أطباء الغرب عنه: [إنه جرَّاح ذهني، يشفي من العلل دون استعمال مشرط أو إراقة دم]. والصِّيام يقوِّي الإرادة، ويعوِّد النفس على الصبر والاحتمال، فيواجه الإنسان الحياة بشجاعة، وبقدر ما تقوى الإرادة يضعف سلطان العادة ويقوى سلطان العبادة، وبذلك تتاح الفرصة لهجر الكثير من العادات السيئة. والصِّيام يحقِّقُ نوعاً من المساواة بين الأغنياء والفقراء، ويفجِّر ينابيع الرحمة والعطف في قلوب الأغنياء، بعد أن يذوقوا معاناة مَن ضاقت بهم سبل الرزق، ممَّا يؤدِّي إلى حفز استعداداتهم لمواساتهم، فتتآلف القلوب، وتتلاشى الأحقاد، ويتآزر الجميع للنهوض بالمجتمع وتوفير الطمأنينة في أرجائه.
والصِّيام ليس مجرد إمساك عن المفطرات، وإنما هو هجرٌ لجميع المعاصي والسيئات فلا يحلُّ للصائم أن يتكلَّم إلاَّ حسناً، ولا يفعل إلاَّ جميلاً. قال صلى الله عليه وسلم : «الصِّيام جُنَّة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ولا يجهل، فإن شاتمه أحد أو قاتله فليقل إني صائم، إني صائم» (أخرجه أحمد ومسلم والنَّسَائي). وبهذا يكون الصِّيام درساً عملياً في تعويد النفس على الفضائل، وحملها على الاتِّصاف بكلِّ ما هو حسن في جميع الحالات، وإلا فإنه سيتحوَّل إلى مجرَّد عمل شاقٍّ لا يحتوي أي مضمون، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش» (أخرجه النَّسَائي وابن ماجه).
وقد اختار الله تعالى شهر رمضان من بين سائر الشهور فأنزل فيه القرآن الكريم، وهو الشهر الَّذي كانت الكتب السماوية تُنزَّل فيه على الأنبياء قال صلى الله عليه وسلم : «أُنْزِلَتْ صحف إبراهيم في أوَّل ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لستٍّ مَضَيْنَ من رمضان، والإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان، وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان» (رواه الإمام أحمد عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه ) وقد أنزل الله القرآن الكريم، كغيره من الكتب السماوية، هدى لقلوب العباد الَّذين آمنوا به وصدَّقوه واتَّبعوه، وفيه دلائل واضحة، وبرامج عملية مسعدة لمن فهم آياته وتدبَّرها. | |
|